فصل: (سورة الذاريات: الآيات 15- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الذاريات: الآيات 7- 9]:

{وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قول مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)}.
{الْحُبُكِ} الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر: آثار تثنيه وتكسره. قال زهير:
مكلّل بأصول النّجم تنسجه ** ريح خريق لضاحى مائه حبك

والدرع محبوكة: لأنّ حلقها مطرق طرائق. ويقال: إنّ خلقة السماء كذلك. وعن الحسن: حبكها نجومها. والمعنى: أنها تزينها كما تزين الموشى طرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاقتها وإحكامها، من قولهم: فرس محبوك المعاقم، أي محكمها. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا:
ما أحسن حبكه، وهو جمع حباك، كمثال ومثل. أو حبيكة، كطريقة وطرق. وقرئ: {الحبك}، بوزن القفل. والحبك، بوزن السلك. والحبك، بوزن الجبل. والحبك بوزن البرق. والحبك بوزن النعم. والحبك بوزن الإبل {إِنَّكُمْ لَفِي قول مُخْتَلِفٍ} قولهم في الرسول: ساحر وشاعر ومجنون، وفي القرآن: شعر وسحر وأساطير الأولين. وعن الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستويا، إنما هو متناقض مختلف. وعن قتادة: منكم مصدّق ومكذب، ومقرّ ومنكر {يُؤْفَكُ عَنْهُ} الضمير للقرآن أو للرسول، أي: يصرف عنه، من صرف الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم، كقوله: «لا يهلك على اللّه إلا هالك». وقيل: يصرف عنه من صرف في سابق علم اللّه، أي: علم فيما لم يزل أنه مأفوك عن الحق لا يرعوى. ويجوز أن يكون الضمير لما توعدون أو للدين: أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه، فمنهم شاك، ومنهم جاحد. ثم قال: يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك. ووجه آخر: وهو أن يرجع الضمير إلى قول مختلف وعن مثله في قوله:
ينهون عن أكل وعن شرب

أى: يتناهون في السمن بسبب الأكل والشرب. وحقيقته: يصدر تناهيهم في السمن عنهما، وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف. وقرأ سعيد بن جبير: {يؤفك عنه من أفك}، على البناء للفاعل. أي: من أفك الناس عنه وهم قريش، وذلك أنّ الحي كانوا يبعثون الرجل ذا العقل والرأى ليسأل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيقولون له: احذره، فيرجع فيخبرهم.
وعن زيد بن على: يأفك عنه من أفك، أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه. وعنه أيضا: يأفك عنه من أفك، أي: يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب. وقرئ: {يؤفن عنه من أفن}، أي: يحرمه من حرم، من أفن الضرع إذا نهكه حلبا.

.[سورة الذاريات: الآيات 10- 14]:

{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}.
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} دعاء عليهم، كقوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ} وأصله الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى: لعن وقبح. و{الخرّاصون}: الكذابون المقدرون ما لا يصح، وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم، كأنه قيل: قتل هؤلاء الخراصون. وقرئ: {قتل الخراصين}، أي: قتل اللّه {فِي غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم {ساهُونَ} غافلون عما أمروا به {يَسْئَلُونَ} فيقولون {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أي متى يوم الجزاء. وقرئ بكسر الهمزة وهي لغة.
فإن قلت: كيف وقع أيان ظرفا لليوم، وإنما تقع الأحيان ظروفا للحدثان؟ قلت: معناه: أيان وقوع يوم الدين. فإن قلت: فبم انتصب اليوم الواقع في الجواب؟ قلت: بفعل مضمر دل عليه السؤال، أي: يقع يوم هم على النار يفتنون. ويجوز أن يكون مفتوحا لإضافته إلى غير متمكن وهي الجملة. فإن قلت: فما محله مفتوحا؟ قلت: يجوز أن يكون محله نصبا بالمضمر الذي هو يقع، ورفعا على هو يوم هم على النار يفتنون. وقرأ ابن أبى عيلة بالرفع {يُفْتَنُونَ} يحرقون ويعذبون. ومنه الفتين: وهي الحرّة، لأن حجارتها كأنها محرقة {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} في محل الحال، أي: مقولا لهم هذا القول {هذَا} مبتدأ، و{الَّذِي} خبره، أي: هذا العذاب هو الذي {كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ويجوز أن يكون هذا بدلا من فتنتكم، أي: ذوقوا هذا العذاب.

.[سورة الذاريات: الآيات 15- 19]:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}.
{آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ} قابلين لكل ما أعطاهم راضين به، يعنى أنه ليس فيما آتاهم إلا ما هو متلقى بالقبول مرضى غير مسخوط، لأن جميعه حسن طيب. ومنه قوله تعالى: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ} أي يقبلها ويرضاها {مُحْسِنِينَ} قد أحسنوا أعمالهم، وتفسير إحسانهم ما بعده ما مزيدة. والمعنى: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل إن جعلت قليلا ظرفا، ولك أن تجعله صفة للمصدر، أي: كانوا يهجعون هجوعا قليلا. ويجوز أن تكون ما مصدرية أو موصولة، على: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه. وارتفاعه بقليلا على الفاعلية. وفيه مبالغات لفظ الهجوع، وهو الفرار من النوم. قال:
قد حصت البيضة رأسى ** فما أطعم نوما غير تهجاع

وقوله: {قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ} لأن الليل وقت السبات والراحة، وزيادة ما المؤكدة لذلك: وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. وقوله: {هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرين، فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه. فإن قلت: هل يجوز أن تكون ما نافية كما قال بعضهم، وأن يكون المعنى: أنهم لا يهجعون من الليل قليلا، ويحيونه كله؟ قلت: لا، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. تقول: زيدا لم أضرب، ولا تقول: زيدا ما ضربت.
السائل: الذي يستجدى {وَالْمَحْرُومِ} الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «ليس المسكين الذي تردّه الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان» قالوا: فما هو؟ قال «الذي لا يجد ولا يتصدق عليه» وقيل: الذي لا ينمى له مال. وقيل: المحارف الذي لا يكاد يكسب.

.[سورة الذاريات: الآيات 20- 21]:

{وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)}.
{وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ} تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره حيث هي مدحوّة كالبساط لما فوقها كما قال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها والماشين في مناكبها، وهي مجزأة: فمن سهل وجبل وبر وبحر: وقطع متجاورات: من صلبة ورخوة، وعذاة وسبخة، وهي كالطروقة تلقح بألوان النبات وأنواع الأشجار بالثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح تسقى بماء واحد {وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} وكلها موافقة لحوائج ساكنيها ومنافعهم ومصالحهم في صحتهم واعتلالهم، وما فيها من العيون المتفجرة والمعادن المفتنة والدواب المنبثة في برها وبحرها المختلفة الصور والأشكال والأفعال: من الوحشي والإنسى والهوام، وغير ذلك {لِلْمُوقِنِينَ} الموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصل إلى المعرفة، فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة، كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم، وإيقانا إلى إيقانهم {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق: ما تتحير فيه الأذهان، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول وخصت به من أصناف المعاني، وبالألسن، والنطق، ومخارج الحروف، وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها: من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة المدبر، دع الأسماع والأبصار والأطراف وسائر الجوارح وتأتيها لما خلقت له، وما سوّى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني، فإنه إذا جسا شيء منها جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذل، فتبارك اللّه أحسن الخالقين.

.[سورة الذاريات: الآيات 22- 23]:

{وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}.
{وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} هو المطر، لأنه سبب الأقوات. وعن سعيد بن جبير: هو الثلج وكل عين دائمة منه. وعن الحسن: أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه واللّه رزقكم، ولكنكم تحرمونه لخطاياكم {وَما تُوعَدُونَ} الجنة: هي على ظهر السماء السابعة تحت العرش.
أو أراد: أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدون به في العقبى كله مقدر مكتوب في السماء. قرئ: {مثل ما} بالرفع صفة للحق، أي حق مثل نطقكم، وبالنصب على: إنه لحق حقا مثل نطقكم.
ويجوز أن يكون فتحا لإضافته إلى غير متمكن. وما مزيدة بنص الخليل، وهذا كقول الناس: إن هذا لحق، كما أنك ترى وتسمع، ومثل ما إنك هاهنا. وهذا الضمير إشارة إلى ما ذكر من أمر الآيات والرزق وأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم، أو إلى ما توعدون.
وعن الأصمعى: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابى على قعود له فقال: من الرجل؟
قلت: من بنى أصمع.
قال: من أين أقبلت؟
قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن.
فقال: اتل علىّ، فتلوت {وَالذَّارِياتِ} فلما بلغت قوله تعالى: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} قال: حسبك. فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف، فإذا أنا بمن يهتف بى بصوت دقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابى قد نحل واصفر، فسلم علىّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: {فورب السماء والأرض إنه لحق}، فصاح وقال: يا سبحان اللّه، من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين، قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه.

.[سورة الذاريات: الآيات 24- 30]:

{هَلْ أَتاكَ حديث ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالوا سَلامًا قال سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قال أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالوا كَذلِكَ قال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}.
{هَلْ أَتاكَ} تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإنما عرفه بالوحي. والضيف للواحد والجماعة كالزور والصوم، لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثنى عشر ملكا. وقيل: تسعة عاشرهم جبريل. وقيل ثلاثة: جبريل، وميكائيل، وملك معهما. وجعلهم ضيفا، لأنهم كانوا في صورة الضيف: حيث أضافهم إبراهيم. أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وإكرامهم: أنّ إبراهيم خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجل لهم القرى أو أنهم في أنفسهم مكرمون. قال اللّه تعالى: {بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ}. {إِذْ دَخَلُوا} نصب بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم، وإلا فبما في ضيف من معنى الفعل. أو بإضمار اذكر {سَلامًا} مصدر سادّ مسدّ الفعل مستغنى به عنه. وأصله: نسلم عليكم سلام، وأمّا {سَلامٌ} فمعدول به إلى الرفع على الابتداء. وخبره محذوف، معناه: عليكم سلام، للدلالة على ثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب اللّه تعالى. وهذا أيضا من إكرامه لهم.
وقرئا مرفوعين. وقرئ: {سلاما قال سلما}. والسلم: السلام. وقرئ: {سلاما قال سلم} {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام. أو أراد: أنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم، كما لو أبصر العرب قوما من الخزر أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالا لهم، كأنه قال: أنتم قوم منكرون، فعرفوني من أنتم {فَراغَ إِلى أَهْلِهِ} فذهب إليهم في خفية من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يخفى أمره، وأن يباده بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرا من أن يكفه ويعذره.
قال قتادة: كان عامة مال نبى اللّه إبراهيم البقر {فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}. والهمزة في {أَلا تَأْكُلُونَ} للإنكار.
أنكر عليهم ترك الأكل. أو حثهم عليه {فَأَوْجَسَ} فأضمر. وإنما خافهم لأنهم لم يتحرّموا بطعامه فظن أنهم يريدون به سوءا.
وعن ابن عباس: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب. وعن عون بن شداد: مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمّه {بِغُلامٍ عَلِيمٍ} أي يبلغ ويعلم. وعن الحسن: عليم: نبىّ، والمبشر به إسحاق، وهو أكثر الأقاويل وأصحها، لأن الصفة صفة سارّة لا هاجر، وهي امرأة إبراهيم وهو بعلها. وعن مجاهد: هو إسماعيل {فِي صَرَّةٍ} في صيحة، من: صر الجندب، وصرّ القلم والباب، ومحله النصب على الحال، أي: فجاءت صارّة. قال الحسن: أقبلت إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم، لأنها وجدت حرارة الدم فلطمت وجهها من الحياء، وقيل: فأخذت في صرة، كما تقول: أقبل يشتمني. وقيل: صرتها قولها: أوه. وقيل: يا ويلتا. وعن عكرمة: رنتها {فَصَكَّتْ} فلطمت ببسط يديها. وقيل: فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب {عَجُوزٌ} أنا عجوز، فكيف ألد {كَذلِكَ} مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به {قال رَبُّكِ} أي إنما نخبرك عن اللّه، واللّه قادر على ما تستبعدين. وروى أنّ جبريل قال لها: انظري إلى سقف بيتك، فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة.

.[سورة الذاريات: الآيات 31- 37]:

{قال فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37)}.
لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون إلا بإذن اللّه رسلا في بعض الأمور {قال فَما خَطْبُكُمْ} أي: فما شأنكم وما طلبكم {إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} إلى قوم لوط {حِجارَةً مِنْ طِينٍ} يريد: السجيل، وهو طين طبخ كما يطبخ الآجر، حتى صار في صلابة الحجارة {مُسَوَّمَةً} معلمة، من السومة وهي العلامة على كل واحد منها اسم من يهلك به.
وقيل: أعلمت بأنها من حجارة العذاب.
وقيل: بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا. سماهم مسرفين، كما سماهم عادين، لإسرافهم وعدوانهم في عملهم: حيث لم يقنعوا بما أبيح لهم. الضمير في فِيها للقرية، ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة. وفيه دليل على أنّ الإيمان والإسلام واحد، وأنهما صفتا مدح.
قيل: هم لوط وابنتاه.
وقيل: كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر.
وعن قتادة: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم، ليعلموا أن الإيمان محفوظ لا ضيعة على أهله عند اللّه آيَةً علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم. قال ابن جريج: هي صخر منضود فيها. وقيل: ماء أسود منتن.